فصل: مسألة أيملك الرجل أخته وأمه من الرضاعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة عتاقة الصغير:

قال: وسمعته يقول: لا تجوز عتاقة الصغير ولا طلاقه، وإن كان كبيرا مولى عليه، جاز طلاقه- ولم يجز عتقه.
قال محمد بن رشد: أما الصغير فلا اختلاف في أنه لا يجوز طلاقه ولا عتقه، ولا شيء من أفعاله، وأما المولى عليه فقد مضى تحصيل الاختلاف في جواز أفعاله إذا كان معلوما بالرشد، ولا اختلاف في أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده، فإذا علم رشد كان في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه كما لا اختلاف في الذي لا ولاية عليه من أب ولا سلطان أنه محمول على الرشد على يعلم سفهه، فإذا علم سفهه كان في ذلك الاختلاف الذي ذكرناه في المسألة التي قبل هذه، وبالله التوفيق.

.مسألة المعتق وهو مولى عليه ثم يلي نفسه:

قال: وسمعته يسأل عن المعتق وهو مولى عليه ثم يلي نفسه، أترى عليه عتقا؟ قال: لا، إلا أن يتمخى من ذلك، قيل له: أفترى أن يفعل؟ قال: أما الصغير الذي أعتق في حال صغره فلا، وأما الكبير فعسى، وروى محمد بن خالد عن ابن القاسم أنه لا يلزمه العتق، وإن بلغ حال الرضى.
قال محمد بن رشد: أما الصغير فبين أنه ليس عليه إذا بلغ وملك أمر نفسه- أن يتمخى مما أعتق في صغره؛ لأنه لم يكن مكلفا ولا مخاطبا بأحكام الشريعة، ولا ممن توجه إليه قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رفع القلم عن ثلاث»- فذكر فيهم الصبي حتى يحتلم، فوجب ألا يلزمه التمخي مما عقده على نفسه من عتقه لعبده وإنما اختلف، إذا حلف بعتق عبده- وهو صغير، فحنث وهو كبير مالك لأمر نفسه، وحكم النصراني في هذا حكم الصغير، وأما الكبير الذي لحقته الولاية لسفهه، فوجب تمخيه مما أعتقه وهو مولى عليه، هو أنه أعرف بنفسه إن كان في الحين الذي أعتق فيه عبده من السفهاء الذين أمر الله ألا يمكنوا من أموالهم، ولا تجوز فيها أفعالهم؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، فيكون الحكم عليهم بالولاية صحيحا في الباطن، كما هو في الظاهر، فلا يلزمهم العتق، وإن كان على خلاف تلك الحال فيلزمه العتق؛ لأن الحكم الظاهر لا يحل الأمر في الباطن كما هو عليه، وهذا عندي- إذا لم يعلم الولي بعتقه حتى رشد، والعبد في يده، أو علم فأجاز عتقه، إذ ليس له أن يجيزه على ما يأتي في رسم الرهون من سماع عيسى، وأما إذا رده فهو مردود لا يلزمه التمخي منه إذا رشد، ولا يدخل في هذا الاختلاف الذي في المرأة ذات الزوج تعتق عبدها وهو أكثر من ثلث مالها فيرده الزوج ثم يموت عنها أو يطلقها، وهو في يدها؛ لأن التحجير على السفيه في ماله أقوى من تحجير الزوج على امرأته فيما زاد على ثلث مالها، واختلف في الصغير يحلف بعتق عبده، وهو صغير ويحنث وهو كبير، وفي المولى عليه يحلف وهو مولى عليه ثم يحنث بعد رشده، وفي العبد يحلف- وهو عبد ثم يحنث وهو حرث، فقيل: إن العتق يجب عليهم كلهم، وهو قول ابن كنانة؛ لأنه قال ذلك في الصغير فهو فيمن سواه ممن ذكرناه معه أحرى، والوجه في ذلك أنه جعل فعله لمن حلف عليه بعتق عبده ألا يفعله رضى منه بعتقه، وقيل: إنه لا يجب العتق على واحد منهم؛ لأن الإيمان يوم تقع،- وهو قول ابن القاسم في سماع محمد بن خالد، واختلف قول مالك في السفيه يحنث بعد رشده في عتق عبده، فله في رسم يوصي من سماع عيسى أنه لا يعتق عليه، وروى أشهب عنه أنه يعتق عليه، والعبد أشد من السفيه على ما قاله في سماع محمد بن خالد، فيتحصل في جملة المسألة أربعة أقوال؛ أحدها: أن العتق يلزمه فيهم كلهم.
والثاني: أنه لا يجب على واحد منهم.
والثالث: أنه لا يجب إلا على العبد؛ لأنه أشدهم على ما قاله في سماع محمد بن خالد.
والرابع: أنه يجب على العبد وعلى السفيه- إذا رشد، ولا يجب على الصبي، وبالله التوفيق.

.مسألة عتق المولى عليه المحتلم الذي لا يتهم بسفه:

قال: وسمعته يسأل عن عتق المولى عليه المحتلم الذي لا يتهم بسفه وهو في ذلك مولى عليه، أيجوز عتقه؟ قال: لا، فقيل له: ماذا؟ قال: لا يجوز عتقه.
قال محمد بن رشد: هذا هو المشهور من قول مالك، وقد مضى تحصيل الاختلاف في ذلك فيما تقدم قبل هذا في هذا الرسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة أعتق السفيه المولى عليه أم ولده:

قال أشهب: قلت: لمالك إذا أعتق السفيه المولى عليه أم ولده، جاز عليه عتقها واتبعها مالها؟ قال: نعم يجوز عليه عتقها ويتبعها مالها، وإنما ذلك- عندي- بمنزلة السفيه المولى عليه يتزوج المرأة بالمال العظيم، ثم يطلقها فيجوز طلاقه عليهما ويكون لها كل ما أمهرها، فكذلك هو إذا أعتق أم ولده- ولها مال ولم يستثنه، عتقت عليه واتبعها مالها.
قال محمد بن رشد: قيل: إن عتق السفيه لأم ولده لا يجوز، بخلاف طلاقه- وهو قول المغيرة، وابن نافع- في كتاب ابن سحنون، خلاف المعلوم من قول مالك وأصحابه في أن عتقه إياها جائز، إذ ليس له فيها إلا الاستمتاع كالزوجة، واختلف هل يتبعها مالها إذا جاز عتقها على ثلاثة أقوال؛ أحدها: قوله في هذه الرواية: أنه يتبعها، إذا لم يستثنه- وإن كان كثيرا.
والثاني: قوله في رسم يشتري الدور من سماع يحيى أنها لا يتبعها مالها- وإن لم يستثنه- قليلا كان أو كثيرا، وقد قيل: إنه يتبعها إن كان يسيرا، ولا يتبعها إن كان كثيرا- وإن لم يستثنه، وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب- مراعاة لقول من يرى أن العبد لا يملك، وهو قول أكثر أهل العلم، وفي قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع»- تعلق للطائفتين، وبالله التوفيق.

.مسألة قال إن كلمت فلانا إلا وأنا ناس فغلامي حر:

قال: وسمعته يسأل عمن قال: إن كلمت فلانا- إلا وأنا ناس- فغلامي حر، فلقيه فكلمه ثم زعم، أنه كلمه ناسيا، فقال ذلك إليه إذا اشترط.
قال محمد بن رشد: هذا بين أنه لا يصدق في أنه إنما كلمه ناسيا، إذ لا يعرف ذلك إلا من قبله، ولو لم يستثن في يمينه إلا وأنا ناس فادعى أنه نوى ذلك بقلبه وعقد عليه يمينه، أو استثناه بلفظ وحرك به لسانه، لم يصدق في ذلك مع قيام البينة عليه ومن أهل العلم- خارج المذهب- من يرى أنه لا يحنث بالنسيان- وإن لم ينو ذلك ولا استثناه؛ لأنه مغلوب بالنسيان، فهو كالمكره، وبدليل قول النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «تجاوز الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وبالله التوفيق.

.مسألة حلف في أم ولد له بعتق ما يملك إن أخدمها:

قال: وسئل عن رجل حلف في أم ولد له بعتق ما يملك إن أخدمها، ولا اشترى لها خادما، فقال: إن أعطاها دنانير فاشترت بها لنفسها، لم أر عليه حنثا، قيل له: إنهم يقولون لا يجوز لها أن تشتري إلا بإذنه، فإذا اشترت بغير إذنه فأقر ذلك لها، فقد أخدمها واشترى لها، فقال: لا، وذلك لها تشتري.
قال محمد بن رشد: حمل يمينه في هذه المسألة على اللفظ ولم يراع المعنى، وذلك خلاف قوله في المدونة في الذي يحلف ألا يكسو امرأته فأعطاها دراهم فاشترت بها ثوبا- أنه حانث، وهو خلاف المشهور في المذهب من أن يمين الحالف إذا لم تكن له نية، تحمل على المعني، وما يدل عليه البساط، ومثل ما في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، ومثل ما في سماع سحنون من كتاب الأيمان بالطلاق في مسألة البالوعة، والذي يأتي في هذه المسألة على ما في المدونة أنه حانث ولا ينوي إذا ادعى أنه إنما أراد ألا يخدمها خادما وألا يشتريها هو لها، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بعتق ما يملك في أرض له إن أكراها فلانا العام:

وسئل: عمن حلف بعتق ما يملك في أرض له إن أكراها فلانا العام، فوجد وكيلا له قد أكراها ذلك الرجل، فأبى أن يمضي ذلك، فهل له من يمينه مخرج إن أكراها أخا له؟ فقال: أما- والله- رجل يريد أن يدخله فيها، فلا أرى ذلك يخرجه من يمينه، أو يتكاراها أخوه- وهو شريك له في المال، ولكن لو خاصموه حتى يقضى عليه.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أن الحالف لما وجد وكيله قد أكرى الأرض من المحلوف عليه قبل يمينه، خشي إن سلمها له أن يطالب باليمين فلا، يجد من يشهد له على كراء الوكيل إياها منه- قبل يمينه فيعتق عليه عبيده، فأبى أن يمضيها له مخافة ذلك، وسأله هل له مخرج في أن تصير الأرض إلى المحلوف عليه بالكراء، ولا يحنث بأن يكريها من أخيه أو من شريكه، فلم ير له مخرجا في أن يكريها ممن يظن به أنه يريد أن يدخله فيها، وأرى له مخرجا في تصييرها إليه بأن يخاصمه فيما يدعي من كراء وكيله إياها منه قبل يمينه حتى يقضي عليه فيسلم من الحنث، وإن لم يقض عليه إلا بإقراره له بما ادعاه عليه من أن وكيله أكراه إياها قبل يمينه، إذ لا اختلاف في أنه لا حنث عليه- إذا حلف- وهو لا يعلم كراء وكيله إياها على معنى ما يأتي في رسم سلف من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وفي رسم العرية من سماع عيسى من كتاب النذور، ولو حلف ألا يكريها منه وهو عالم بكراء وكيله إياها منه، لكان بمنزلة الذي يحلف ألا يبيع السلعة بعد أن باعها، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى في سماع سحنون، ونوازل أصبغ من كتاب الأيمان بالطلاق، فأغنى ذلك عن إعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة باع رجلا بيعا فسأله أن يضع عنه فحلف بالعتق ألا يفعل فيقضيه حقه كله:

وسئل: عمن باع رجلا بيعا، فسأله أن يضع عنه، فحلف بالعتق ألا يفعل فيقضيه حقه كله، فإذا قبضه قال له: إن رأيت أن تهب لي شيئا فافعل، أيجوز له أن يهب له؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم من قوله في رسم طلق ابن حبيب من سماع ابن القاسم، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك، فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف بعتق جاريته ليضربنها:

وسئل: عن الذي يحلف بعتق جاريته ليضربنها، أترى أن يضربها في قدميها ويوجعها؟ قال: لا أرى ذلك يخرجه من يمينه، يقول الله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4]، وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، يذهب هذا يضربها في قدميها، ما أرى ذلك له.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إنه لا يبر إلا بالمعنى الذي قصد إليه وهذا لم يقصد إليه إذ لم تجر العادة أن يضرب الرجل عبده ولا أمته في قدميه، وإنما ذلك من فعل المؤدبين لصبيانهم، فلو حلف المؤدب على ضرب صبي، لم يضربه في قدميه، ولو حلف الرجل ألا يضرب أمته فضربها في قدميها لحنث بذلك؛ لأن الحنث يدخل بأقل الوجوه، والبر لا يكون إلا بأكمل الوجوه.

.مسألة يحلف بعتق جاريته ليضربنها:

قيل له: أرأيت الذي يحلف بعتق جاريته ليضربنها، فقال: إن كان حلف ليضربنها ضربا لا ينبغي له، فأرى أن يمنع من ضربها وتعتق عليه.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة وغيرها أنه إن حلف على ما يجوز له من الضرب، لم يحل بينه وبين ضربه، وإن حلف على ما لا يجوز له منه، لم يمكن من ضربه وأعتق عليه، وقال في المدونة في الذي يحلف ليجلدن غلامه مائة سوط: أن العبد يوقف ولا يبيعه حتى ينظر أيجلده أم لا؟ ومعناه إذا كان ذلك لجرم اجترمه يستوجب به مثل ذلك الأدب، وما يحلف عليه الرجل من ضرب عبده أو أمته بحريته، ينقسم على ثلاثة أقسام: يسير كالعشرة الأسواط ونحوها، وكثير كالثلاثمائة ونحوها وما هو أكثر منها وما بين ذلك، فأما اليسير مثل العشرة الأسواط ونحوها، فإنه يمكن من ذلك ويصدق في أنه قد أذنب ما يستوجب به ذلك من الأدب، وقد قال ابن أبي زيد: إنه يمكن من ذلك ولا يعتق عليه- وإن كان لغير ذنب أحدثه وهو بعيد، وأما الكثير كالثلاثمائة ونحوها، وما هو أكثر منها، فإنه لا يمكن من ذلك ويعتق عليه، وأما ما بين ذلك ففيه اجتهاد الإمام، والذي أراه فيه أنه إن حلف بحريته على مثل الثلاثين سوطا أو نحوها، يمكن من البر ولم يعتق عليه إذا زعم أن ذلك لذنب استوجبه، فإن كان من أهل الخير والدين، صدق في ذلك دون يمين، وإن كان مجهول الحال، صدق في ذلك مع يمينه، ومنع من بيعه حتى يبر بضربه، فإن لم يضربه حتى مات عتق في ثلثه، وإن كان مسخوطا غير مؤتمن، كلف إقامة البينة على ذلك، ولم يمكن من ضربه وأوجر عليه حتى يموت فأعتق في ثلثه، فإن حلف على مثل المائة سوط ونحوها، فإن كان من أهل الخير والدين والفضل المستبين، صدق في الجرم الذي زعم أنه استوجب به ذلك مع يمينه، وإن لم يكن على هذه الصفة، كلف إقامة البينة على ذلك، فإن عجز عن ذلك، لم يمكن من ضربه، وأوجر عليه حتى يموت فيعتق في ثلثه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال جاريتي حرة إن دخلت الدار إلى شهر:

وسمعته: يسأل فقيل له: إني أعطيت لجارية امرأتي مالا عظيما، فلما خشيت أن أبيعها قالت: هي حرة إن بعتها عشر سنين، وقد فسدت عليها الجارية فساد سوء وخبثت، فهل ترى في ذلك مخرجا؟ فقال: لا إلا أن تعتقها أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا، فقيل له بعد ذلك: إنما حلفت بحرية جاريتها إن باعتها عشر سنين ثم ندمت، فأرادت بيعها، فلزوجها أن يرد هذه اليمين عليها إذا لم يكن لها مال غيرها؟ فقال: لا والله.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على قوله إلا أن تعتقها أو تهبها لمن لا تريد منه ثوابا في رسم البز من سماع ابن القاسم، ورسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، ورأيت لابن دحون في هذه المسألة كلاما غير صحيح، قال: جواز هبتها الجارية إنما يجوز على قول ابن القاسم، فأما على قياس مذهب مالك فلا يجوز، وإن كانت على بر في يمينها، فاليمين إلى أجل، ومذهب مالك أن من قال: جاريتي حرة إن دخلت الدار إلى شهر، أنه لا يبيع ولا يهب؛ لأنها معلقة بيمين إلى أجل، فهو حق للمملوكة، تقول: لا أباع ولا أوهب، لعل الحالفة تحنث في الأجل، وابن القاسم يرى أن بيعها وهبتها جائزة، كما لو كانت اليمين إلى غير أجل، وقوله: غلط بين لا اختلاف بينهم في أن الحالف بحرية عبده ألا يفعل فعلا هو على بر، وله أن يبيع- سمى أجلا أو لم يسمه، وإن الحالف بحريته ليفعلن فعلا هو على حنث وليس له أن يبيع- سمى أجلا أو لم يسم، وإنما يفترق الأجل من غير الأجل في الوطء إن كانت أمة، فليس له أن يطأ إن كانت اليمين إلى غير أجل، وله أن يطأ إن كانت إلى أجل على اختلاف في ذلك من قول مالك في المدونة، ومن قول ابن القاسم أيضا، فقوله ومذهب مالك أن من قال جاريتي حرة- إن دخلت الدار إلى شهر، أنه لا يبيع ولا يهب؛ لأنها معلقة بيمين إلى أجل- خطأ، وإنما قال ذلك مالك فيمن قال جاريتي حرة إن لم أدخل الدار- إلى شهر، وهذا بين، وليس أحد بمعصوم من الغلط وأما قوله في التي حلفت بحرية جاريتها إن باعتها عشر سنين، أنه ليس لزوجها أن يرد هذه اليمين، فمعناه ليس له أن يرد اليمين قبل حنثها، فأما إذا حنثت فيها بالبيع، فله أن يرد العتق كله، إذ لا مال لها غيرها، وتعود رقيقا ولا ترجع اليمين عليها لأنها قد حنثت، ورد الزوج العتق فهو ملك جديد قاله ابن دحون وهو صحيح، وكذلك لو حلف بحريتها إن لم تبعها عشر سنين، ليس له أن يرد يمينها إلا أن تحنث، وكذلك لو حلفت بحريتها ألا تبيعها أبدا، ليس له أن يرد يمينها إلا أن تحنث، وأما لو حلفت أن تبيعها، فقالت: هي حرة إن لم أبعها فليس له أن يرد يمينها في حال؛ لأنها لا تحنث- إن حنثت- إلا بعد الموت، فتعتق في ثلثها، وبالله التوفيق.

.مسألة ذات زوج قالت كل مملوك لي حر إن خرجت من هذا المنزل:

قال: وسمعته يسأل عن ذات زوج قالت: كل مملوك لي حر- إن خرجت من هذا المنزل، وقال زوجها: كل مملوك لي حر- إن لم تخرجي ورقيقها نصف مالها، قال: تبيع رقيقها في السوق ولا ترجع إليهم، ولا تبيعهم من أهلها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن له أن يخرجها ويحنثها إذ من حقه أن يسكن بها حيث شاء، فإذا أخرجها بعد أن باعت رقيقها لم يلزمها شيء، فإن اشترتهم قبل أن يخرجها، رجعت عليها اليمين، وكذلك إن وهبوا لها إلا أن يرجعوا إليها بميراث- على ما قاله في المدونة وغيرها وإن رجعوا إليها بشراء أو هبة بعد أن أخرجها لم يلزمها فيهم شيء، إلا أن تكون باعتهم على أن يردوا عليها بعد أن يخرجها فرارا من اليمين فيعتقون عليها، ولخوف الدلسة في ذلك بهذا، فقال: إنما تبيعهم في السوق ولا تبيعهم من أهلها، وبالله التوفيق.

.مسألة عليه رقبة واجبة أيجزئ عنه أن يبتاع بعض أقاربه يعتقه:

قال: وسألته عمن عليه رقبة واجبة، أيجزئ عنه أن يبتاع بعض أقاربه يعتقه مكان رقبة عليه؟ فقال لي: ما كان من أقاربه يعتق عليه إذا ملكه فلا يجزئ عنه؛ لأنه لا يقدر على ملكه، فكيف يجزئ عنه؟ لا يجزئ عنه إلا، من يجوز له أن يملكه ملكا تاما، وهذا لا يقدر أن يملكه حتى يعتق عليه، فمن كان يعتق عليه من أقاربه إذا ملكه، فلا يجزئ عنه في الرقاب الواجبة، وتقول: إن الذي يعتق عليه من أقاربه فلا يجوز له ملكه- الولد والوالد والأخ والأخوات والجد والجدات من قبل الأم والأب، وولد البنات، وولد البنين، ومن كان من أقاربه- إذا ملكه لم يعتق عليه، وجاز له ملكه إياه، فلا بأس أن يشتريه فيعتقه برقبة عليه واجبة، وذلك يجزئ عنه إذا ملكه لم يعتق عليه، مثل عمه وعمته وابن عمه وخاله وما أشبههم، فإنه إذا ملكهم لم يعتقوا عليه، فعتقهم يجزئ عنه في الرقاب الواجبة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا اختلاف فيها في المذهب، إلا ما يروى عن ابن وهب من أنه قال: يعتق على الرجل ذوو رحمه- وهم السبعة الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه وهو شذوذ في المذهب، فمذهب مالك الذي عليه جماعة أصحابه- حاشا ابن وهب- أن الذين يعتقون على الرجل إذا ملكهم بلفظ وحيزهم ذوو المحارم من الآباء وإن علوا، والأبناء وإن سفلوا، والأخوة والأخوات ما كانوا، فيدخل في هذا أولاد البنات والأجداد من قبل الأم، والجدات الأربع، ويجمع هذا أنه يعتق على الرجل كل من له عليه ولادة ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يعتق على الرجل ذوو رحمه المحرم كلهم- على ما روي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- من رواية ابن عمر أنه قال: «من ملك ذا رحم محرم عتق عليه» وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، ولا مخالف لهما من الصحابة؟ وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وأكثر أهل العراق، ومذهب الليث بن سعد، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وابن وهب- من أصحاب مالك على ما ذكرناه، وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق على الرجل إلا الأب وإن علا، والابن وإن سفل- وهو ظاهر قول ابن كنانة في سماع أبي زيد من كتاب الولاء، وبالله التوفيق.

.مسألة الخصي أيجوز في الرقاب الواجبة:

قال: وسمعته يسأل عن الخصي أيجوز في الرقاب الواجبة؟ قال: نعم في رأيي هو رجل من المسلمين، وسمعته يسأل عن الأعرج أيجوز في الرقاب الواجبة؟ قال: نعم في رأيي هذا أعرج، والآخر أعور، وسمعته يسأل عن عتق المقعد أيجزئ في الرقاب الواجبة؟ قال: لا أحب ذلك ولا الأعمى أيضا، وقد سمعت أن رجلا قال للحسن البصري: أيجوز ولد الزنى في الرقاب الواجبة؟ فقال: لله الصفاء والخيار، فقيل لمالك: أتستحسن هذا؟ فقال: والله إني لأستحسنه، قال عز وجل: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] يعمد الرجل إذا أراد أن يعتق أعتق هذا العبد، وإذا أراد أن يتصدق تصدق بهذا الطعام.
قال محمد بن رشد: أما الخصي فأجازه في هذه الرواية في الرقاب الواجبة، وكرهه في المدونة ولم يجزه في رسم لم يدرك من سماع عيسى بعد هذا، والأظهر إجازته اعتبارا بالضحايا، وأما الأعرج فأجازه في هذه الرواية، واختلف قوله فيه في المدونة، واختلاف قوله يرجع إلى أنه إن كان عرجا خفيفا أجزأ، وإن كان عرجا فاحشا لم يجز على ما حكى ابن القاسم أنه سمع منه وهو الذي في رسم لم يدرك من سماع عيسى المذكور، أما المقعد والأعمى، فلا اختلاف في أنه لا يجزئ، وإنما اختلفوا في الأعور، فأجازه في هذه الرواية، وفي المدونة، ولم يجزه ابن الماجشون في كتاب ابن شعبان اعتبارا بالضحايا، وأما ولد الزنى فعتقه جائز في الكفارات بإجماع من مالك وأصحابه، ولم يقل الحسن أنه لا يجزئ، وإنما قال: لله الصفاء، والخيار، بمعنى أنه ينبغي أن يتخير لله أنفس العبيد، وأعلاهم ثمنا، ولا يقصد إلى أدناهم مرتبة، وأقلهم ثمنا، كما قال عروة بن الزبير- لبنيه: يا بني لا يهد أحدكم لله من البدن ما يستحيي أن يهديه لكريمه، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له، وما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رواية أبي هريرة قال في ولد الزنى: «هو شر الثلاثة» إنما قاله في رجل بعينه- لمعنى كان فيه، وذلك أنه كان يؤذي النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فقال فيه: «أما إنه مع مائة ولد زنى هو أشر الثلاثة» روي عن عائشة أنها قالت لما بلغها ما تحدث به أبو هريرة في هذا عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يرحم الله أبا هريرة، أساء سمعا فأساء إجابة، لم يكن الحديث على هذا، إنما كان رجل يؤذي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت المعنى الذي ذكرته في ذلك، وما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يدخل الجنة ولد زنى» معناه الذي يكثر منه الزنا حتى ينتسب إليه لتحققه به، كما يقال للمتحققين بالدنيا العاملين لها أبناء الدنيا، ويقال للمسافر ابن السبيل، ومن مثل هذا كثير، وعلى هذا يتأول ما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سئل عن عتق ولد الزنى فقال: لا خير فيه، نعلان يعان بهما، أحب إلي من عتق ولد الزنى».
وقد قيل لابن عمر: يقولون ولد الزنا شر الثلاثة، فقال بل هو خير الثلاثة قد أعتق عمر عبيدا من أولاد الزنا، ولو كان خبيثا ما فعل، وإنما قال ابن عمر فيه: إنه خير الثلاثة من أجل أنه لا يؤاخذ بما اقترفه أبواه من الزنى، لقول الله عز وجل: {أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38]، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39]، فهو خير الثلاثة لا شرهم إذا لم يعمل شرا.
وقال ربيعة: إني لا أجد شأنه في الإسلام تاما، ولا يجزئ في الرقاب مجنون ولا مجذوم ولا أشل، ولا يابس الشق، ولا مقطوع الإبهام، ولا مقطوع الإصبعين، واختلف في مقطوع الإصبع الواحدة، فقال ابن القاسم: لا يجزئ، وقال غيره: يجزئ واختلف أيضا في الأصم، فقال ابن القاسم عن مالك: إنه لا يجزئ وقال ابن القاسم في المقطوع الأذنين على قياس قوله: إنه لا يجزئ، وقد روي عن ابن القاسم في الأصم أنه لا يجزئ، واختلف في ذلك قول أشهب، واختلف في الأبرص أيضا فلم يجزه ابن القاسم في المدونة، وأجازه غيره فيها إذا لم يكن مرضا، ولا يجزئ من فيه عقد عتق من مدبر أو مكاتب أو أم ولد، أو معتق إلى أجل، وما أشبه ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى أن يعتق عنه رقاب:

قال: وسمعته يقول: لا تشتر الرقبة الواجبة بشرط العتق، قيل: أرأيت من أوصى أن يعتق عنه رقاب؟ قال: لا، إلا ما كان من الوصايا في الرقاب الواجبة.
قال محمد بن رشد: فإن اشتراها بشرط، لم يجز- قاله في المدونة وغيرها؛ لأنها بعض رقبة من أجل أن البائع وضع من الثمن بسبب العتق، وبالله التوفيق.

.مسألة أيعتق الجد عن ابنة ابنته إذا ملكته:

وسمعته يسأل: أيعتق الجد عن ابنة ابنته إذا ملكته؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قد مضى مثل هذا فوق هذا، ولا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم- أعلمه، وبالله التوفيق.

.مسألة أيملك الرجل أخته وأمه من الرضاعة:

وسمعته يسأل: أيملك الرجل أخته وأمه من الرضاعة؟ فقال: نعم في رأيي وغير ذلك خير، قيل له: ولا يعتقان عليه؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: هذا أيضا صحيح بين لا اختلاف فيه، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصت في جارية لها حامل بأنها حرة وما في بطنها مملوك:

قال: وسمعته يسأل: عن امرأة أوصت في جارية لها حامل بأنها حرة وما في بطنها مملوك، ثم توفيت المرأة ووضعت الجارية ما في بطنها بعد وفاة سيدتها، فقال الورثة: أنت حرة وما في بطنك مملوك على ما أوصت به المرأة، فقالت الجارية: لا، بل ولدي بمنزلتي حر معي بحريتي، فقال: قد صدقت الجارية، هي حرة وولدها الذي ولدت إذا كانت إنما وضعت بعد وفاة سيدتها، فالولد حر مع أمه، لا تعتق جارية- وجنينها مملوك، فقيل له: إنها قد استثنت الولد في عتقها الجارية، فقال: إن هذا الاستثناء لا يجوز، لا تعتق الجارية وجنينها مملوك إذا كانت إنما وضعت بعد أن وجب ذلك لها بعد موت سيدتها.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه- أعلمه- في المذهب؛ لأن الجنين لما كان لا يجوز بيعه لم يجز استثناؤه في البيع ولا في العتق، ولا اختلاف فيه أعلمه- في المذهب، ويلزم على قياس قول من أجاز البيع في الجارية واستثناء ما في بطنها، وجعل الولد مبقى على ملك البائع غير مبيع، وهو مذهب الأوزاعي والحسن بن حيي، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وداود بن علي، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر أنه يجوز عتق الجارية واستثناء ما في بطنها إذ هو في العتق أبين، وبالله التوفيق.